الأستاذ الدكتور محمد الدسوقي، أحد أعلام الفكر الإسلامي والفقه والأصول في عصرنا، وأستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة وعدد من الجامعات العربية والإسلامية، وعضو المجامع العلمية.
ولد الأستاذ الدكتور/ محمد السيد علي الدسوقي في 16 رجب سنة 1353ﻫ الموافق لـ 25/10/1934م بقرية صغيرة تعرف بعِزْبَة العَرِيض بمركز بلقاس بمحافظة الدقهلية.
وتوفى فى فبراير عام 2023 اى منذ ايام قليلة من كتابة هذا المقال.
ونشأ في أسرة ريفية، وكان والده رجلا أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، منصرفًا إلى الزراعة، لكنه كان حريصًا على تعليم ولده.
التحق الصبي الصغير- آنذاك- بالكُتَّاب، وقبل بلوغ العاشرة من عمره كان قد أتم حفظ القرآن الكريم، ثم أنهى دراسة أهم قواعد علم التجويد، مع الإلمام بقدر من علم الحساب الذي يتيح له أن يجتاز امتحان القبول بالسنة الأولى الابتدائية بالأزهر الشريف.
والتحق الفتى بالأزهر الشريف، وأقبل على دروسه بجد ونشاط لا يضيع وقتًا في لهو أو لعب، وإنما يذاكر ما يتلقاه عن شيوخه في حرص ومتابعة.
وشغف بالقراءة؛ فكان يعكف في الإجازات الصيفية على قراءة كتب اللغة والأدب، وبدأ وهو في السنة الثانية الابتدائية يطالع بعض المجلات الثقافية والدينية والأدبية التي كانت تصدر في ذلك الوقت، كمجلة الرسالة والهلال والأزهر، ومن خلال تلك المجلات عرف بعض الكتب وقرأها، وأصبح الوقت الذي يقضيه في القراءة في غير المواد المقررة أكثر من الوقت الذي يذاكر فيه هذه المواد.
ولم يكد الفتى يمضي المرحلة الابتدائية بالأزهر حتى قرأ عددًا من مؤلفات المنفلوطي والزيات وأحمد أمين وطه حسين والعقاد والرافعي وغيرهم، بالإضافة لقراءات في التراث القديم في العقد الفريد وزهر الآداب.
وأثمرت هذه القراءة ثمرتها الطيبة؛ فقد عرف وهو في مستهل المرحلة الثانوية بالأزهر سبيله إلى الكتابة والنشر؛ حيث بدأ في كتابة المقالات.
كما نشر كتابًا وهو في السنة الثانية الثانوية بعنوان «عصارة خاطر»، وكان ذلك سنة 1952م.
وكان يكتب في جريدة كانت تصدر في طنطا تسمى «سفينة الأخبار»، وكان يشاركه في الكتابة فيها رفيق دراسته محمود حمدي زقزوق، الذي صار وزيرًا للأوقاف فيما بعد.
كما كان يكتب في باب البريد الأدبي بمجلة الرسالة، ثم نشر مقالًا بمجلة الأزهر بعنوان «لا إصلاح إلا بالإسلام»، ونشر أيضًا مقالات عديدة بمجلة الوسيلة التي كانت تصدر بالقاهرة، وكان أولها سنة 1952م، وبمجلة الثقافة التي كان يرأس تحريرها الأستاذ أحمد أمين، وذلك سنة 1952م أيضًا، كما نشر بمجلة الإسلام سنة 1954م. وكتب في مجلة الهلال، ومجلة منبر الشرق، ومجلة العربي.
وتنوعت مقالاته بين موضوعات ثقافية، وأخرى إسلامية، فكتب عن الرحمة، وعن الرسول صلى الله عليه وسلم، كما كتب عن العديد من المشكلات الاجتماعية.
وبعد حصوله على الشهادة الثانوية الأزهرية التحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وأتمَّ الدراسة بها وحصل على الليسانس سنة 1959م بتقدير جيد جدًّا، وكان ترتيبه في السنة النهائية- والتي قبلها- الثاني على دفعته، بعدما كان الأول في السنتين الأوليين؛ فلم يُقَدَّر له أن يعين معيدًا حيث اكتفت الكلية بتعيين الأول فقط.
لكن عدم تعيينه معيدًا بدار العلوم لم يكن مانعًا له عن مواصلة الدراسات العليا، فالتحق بقسم الشريعة الإسلامية، وحصل على الماجستير سنة 1965م، في موضوع «التأمين وموقف الشريعة الإسلامية منه»، ثم الدكتوراه سنة 1972م في موضوع «الإمام محمد بن الحسن الشيباني وأثره في الفقه الإسلامي».
وأفاد مما وفره له عملُهُ محررًا علميًّا بمجمع اللغة العربية من وقت ومراجع نفيسة. كما كان لاتصاله بعميد الأدب العربي الدكتور/ طه حسين الذي كان يرأس المجمع وقتها أثر واضح في مطالعاته وقراءاته، وكان قد اختير سكرتيرًا خاصًّا وقارئًا له لعدة سنوات قبل أن يحصل على الدكتوراه.
كما أنه ابتدأ مرحلة التأليف الحقيقي في تلك الفترة؛ حيث نشر أُوليات مؤلفاته، كالإسلام والمستشرقون، وحديث الإفك، والهجرة في القرآن، وغيرها.
انتقاله إلى التدريس الجامعي:
انتقل الدكتور محمد الدسوقي بعد حصوله على الدكتوراه سنة 1972م للعمل بالتدريس الجامعي، فعمل محاضرًا بجامعة الفاتح (طرابلس حاليًا) في ليبيا من سنة 1972م حتى سنة 1975م، ثم أستاذًا مساعدًا بنفس الجامعة منذ سنة 1975م حتى سنة 1980م، ثم أستاذًا مشاركًا بنفس الجامعة أيضًا من سنة 1980م حتى 1984م.
وعمل بجامعتي المنصورة والمنوفية في خريف سنة 1984م.
ثم انتقل للعمل بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر منذ فبراير سنة 1985م بدرجة «أستاذ مشارك»، ثم حصل على الأستاذية سنة 1987م.
واستمر أستاذًا بكلية الشريعة بقطر حتى بلغ سن التقاعد سنة 2003م. وكان قد عُيِّن أثناء تلك الفترة رئيسًا لقسم الفقه والأصول بالكلية.
ولما بلغ سن التقاعد عاد إلى القاهرة فعمل بكليته كلية دار العلوم
نسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يغفر له، ويرحمه، ويتقبله في الصالحين، وأن يجعل ما قدمه من خدمة العلم وطلابه في موازين حسناته، وأن يلهم أهله الصبر والسلوان.
وكانت نظرات نقدية في تجديد علم أصول الفقه ومنهج البحث في الدراسات الإسلامية رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته يارب العالمين.
فى حوار : محمد الدسوقي يستذكر علاقته مع طه حسين
اغتنمتُ فرصة وجود الدكتور محمد الدسوقي ذات سنة من مطلع هذا القرن في جامعة مؤتة في الأردن على هامش مؤتمر عقدته كلية الشريعة وأجريت معه هذا الحوار حول علاقته بعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين.
في البدْء لا بد من التعريف بالدكتور الدسوقي( ولد الأستاذ الدكتور محمد الدسوقي سنة 1934 في محافظة الدقهلية بمصر, وقد حفظ القران الكريم في كتاب القرية التي ولد فيها ولما يبلغ العاشرة من عمره, ثم انتسب إلى الأزهر فدرس به تسع سنوات, والتحق بعد ذلك بكلية دار العلوم جامعة القاهرة وتخرج فيها سنة 1959م، وكان ترتيبه الثاني على دفعته, وعمل بالتدريس نحو عامين, ونقل بعدها إلى مجمع اللغة العربية بالقاهرة للعمل محررا علميا, وقد حصل على درجة الماجستير والدكتوراه من قسم الشريعة بالكلية التي تخرج في تخصص الفقه والأصول, وبعد الدكتوراه عمل عضو هيئة تدريس بالجامعة بمصر وبعض الجامعات العربية, وبخاصة جامعة قطر التي عمل بها نحو عشرين عاما له أكثر من خمسة وعشرين مؤلفاً في الدراسات الفقهية والأصولية والأدبية, ونحو عشرين بحثاً في حوليات جامعية محكمة وعشرات المقالات في المجالات المتخصصة, كما شارك في أكثر من عشرين مؤتمراً وندوة على مستوى العالم الإسلامي, وفاز بعدة جوائز علمية).
كيف بدأت علاقتك بالدكتور طه حسين؟
o لقد بدأت علاقتي بالدكتور طه حسين في أواخر سنة 1964م, ففي يوم الاثنين الموافق للثلاثين من نوفمبر من تلك السنة عقد المجمع اللغوي جلسته لانتخاب أعضائه الجدد, وكنت أحد المحررين الذين يسجلون وقائع هذه الجلسة, وفي مستهلها سألني مدير المجمع عن مدى معرفتي باللغة الفرنسية, ولكني أُلمّ بالإنجليزية, ولم يعقب المدير على هذا بيد أنه بعد انتهاء الجلسة عرض علي أن أرافق الدكتور طه حسين رئيس المجمع – وكان قد حضر جلسة اليوم – بعض الأيام لأن سكرتيره فريد شحاته في حاجة ضرورية إلى إجازة لمدة أسبوعين وأبديت للمدير استعدادي لمرافقة العميد الجليل, ومن ثم طلب مني المدير أن انتظر ريثما يغادر العميد قاعة الجلسة إلى حجرته الخاصة, وقدمني إليه تقديماً طيباً, وسألني العميد سؤالاً واحداً وهو: في أي كلية تخرجت؟ فقات: كلية دار العلوم. وتحدث الدكتور طه مع المدير بخصوص منحي إجازة قانونية في أثناء المدة التي أعمل فيها معه وذكر له أن بدء العمل سيكون في الأسبوع القادم.
وقد امتدت علاقتي بالعميد إلى صيف سنة 1972م, أي قبل وفاته بنحو عام، والحقيقة أنني في هذه المدة كلها لم أكن أعمل مع العميد سكرتيراً بصفة رسمية, ففي السنوات الأربع الأولى كان الأستاذ فريد ما زال يعمل معه, غير أني كنت أذهب إلى العميد يومياً كل أسبوع على الأقل, وهو إجازة السكرتير بالإضافة إلى إجازته السنوية وكانت نصف شهر, وكانت تبدأ غالباً عقب عودة العميد من رحلته الصيفية, فضلاً عن الطوارئ المختلفة التي كانت تحول بين فريد وذهابه للعميد كالمرض وإنجاز بعض الأعمال الخاصة, وما أكثر تلك الطوارئ وبخاصة طوارئ المرض, وكان العميد يعتقد أن سكرتيره يفتعل المرض, وأنه أصبح بهذا السلوك – على حد تعبير العميد – لا يطاق.
وبعد أن ترك فريد العمل مع العميد كان علي أن أذهب إليه يومياً, وأن أتولى مهمة السكرتير الخاص له على الرغم من أن عدداً من الشباب جاء ليقوم بهذه المهمة ولكنهم ما كانوا يستمرون في القيام بها, لأسباب لا مجال للحديث عنها.
يمثل طه حسين قامة أدبية وفكرية وعربية وعالمية, ما الذي لمسته من هذا المفكر طوال رفقتك له، وتعده إضافة جديدة؟
الحرص الشديد على الوقت, وعدم إنفاقه إلا فيما يجدي, ولهذا كان يضيق بالزائر الذي يطيل المكث ويضيع الوقت, وينعته بعد انصرافه بأنه ثرثار, ومع هذا كان إذا همّ مثل هذا الزائر بالانصراف شدّ العميد على يديه قائلاً: أحب أن أراك كثيراً.
أن طه حسين كان يتمتع منذ طفولته بعقلية ترفض أن تذوب في سواها, وتجنح إلى أن يكون لها استقلال فيما يصدر عنها, وقد سبب له هذا مشكلات متعددة وبخاصة أنه في أيام الطلبة عاش في بيئة علمية جامدة تضيق بالتطور والتجديد فكانت آراؤه ومواقفه من هذه البيئة مصدر مضايقات له, وأهمها رسوبه في امتحان الشهادة العالمية, ولم يعبأ بهذا الرسوب, فترك الأزهر ليواصل دراسته في الجامعة المصرية القديمة ليحصل منها على الدكتوراه ثم توفده هذه الجامعة للدراسة في أعرق الجامعات الغربية, فنال منها أرفع الدرجات العلمية وعاد بعد ذلك إلى وطنه ليرسي مبادئ الحرية الفكرية والسياسية ويخوض في سبيلها المعارك العديدة وقد تعرض من أجل هذا لضروب مختلفة من الأذى, فما زادته إلاّ إصراراً على مواقفه, واستمساكاً بما يدعو إليه.